الرأي

المرصد الإفريقي للهجرة مؤسسة تابعة للإتحاد ، نابعة من إرادة ملكية متبصرة لقضايا الهجرة

علينا أن نجزم اليوم ، أن المرصد الإفريقي للهجرة ، عصارة تجربة مغربية رائدة في هذا المجال.
تجربة تراكمت وتعززت لسنوات من معالجة معضلة الهجرة ،بفضل إرادة ملكية متصبرة ، دفعت و لأول مرة بالمغرب كبلد إفريقي، من أن يكون السباق إلى تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين ، خاصة مهاجري جنوب الصحراء، وذلك من خلال عمليتين الأولى سنة 2014 و الثانية 2017 ، هتين العمليتين التي تؤكد النظرة والحس الاستباقي لصاحب الجلالة محمد السادس ، في وضع مقاربة يكون أساسها إحترام حقوق الإنسان وثانيها حوكمة الهجرة التي أسس لها ميثاق مؤثمر مراكش والتأكيد على ضرورة التزيل الكلي لبنود الاتفاق العالمي للهجرة .
التجربة المغربية الرائد قاريا ودوليا ، هي تأكيد على أن المغرب يسير بخطوات متقدمة من خلال تفعيل الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين و إعلان باريس لحقوق الإنسان.

لقد إستفادت التجربة المغربية في مجال الهجرة ، من معطيات وبيانات وتتبع ميداني وفره المجلس الوطني لحقوق الإنسان كهيئة دستورية و عبر لجانه الجهوية ، من خلال تقارير موضوعاتية معالجة لمعضلة الهجرة ، وكذلك من خلال جهود مؤسسات المجتمع المدني التي كان ولا زال لها الدور الكبير في حلحلة مشكل الهجرة دون أن نغفل البحث العلمي في السنوات الاخيرة ، والذيرعرف تطورا ملحوظا في هذا الجانب من خلال القيام بالعديد من الابحاث والدراسات .
وها نحن اليوم نقف على أهمية تفعيل الدور الكامل للمرصد الإفريقي للهجرة في توحيد السياسة الإفريقية للهجرة واللجوء .
الموقف الدائم للمملكة المغربية والذي أكدته يومه الخميس 14 فبراير 2024 ،خلال الدورة 44 للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، والتأكيد على أهمية التشغيل الكامل للمرصد الإفريقي للهجرة، باعتباره أول هيئة للاتحاد الافريقي تتخذ من المغرب مقرا لها ، وعلى تنزيل إستراتيجيات وسياسات قارية موحدة على أساس القاعدة التي تربط الهجرة بالتنمية، حيث يكون التأثير محسوسا ، يمكننا من تقييم الأثر لعلاقة الإنسان بالمجال على المستوى القارة السمراء.

إن تفعيل المرصد الإفريقي للهجرة سياعدة الدول الإفريقية في تدبير قضايا الهجرة خاصة في ظل تنامي المخاوف من تزايد حدة الهجرة النظامية من إفريقيا صوب أوروبا على ضوء التحولات الأمنية والجيوسياسية التي تعرفها عدد من دول القارة .
أرى أنه لابد للرجوع الى حدث تاريخي هام وهو التقرير الذي قدمه السيد وزير الخارجية ناصر بوريطة في الدورة 35 للقمة الإفريقية بأديس أبابا والذي أعده صاحب الجلالة نصره الله بإعتباره رائدا الاتحاد الإفريقي للهجرة سيحمل مقترحات مختلفة لتشجيع أو توحيد لم الشمل بين مختلف الجهات الفاعلة التي تنتمي إلى مجالات محددة مدفوعة بديناميات منسجمة. تقرير حكيم ومتبصر ربط الهجرة بالتنمية ، من خلال رؤية وتوجه يصب في معرفة الاحتياجات طويلة الأمد وتقييم التوقعات ، وبالتالي الحصول على استراتيجية تخطيط مناسبة ومتناسقة، للعمل الجدي لمعالجة معظلة الهجرة برؤية إفريقية مأة في المأة ،فالمرصد يحتاج إلى تقارير وإحصائيات ودراسات ، و يبدو لنا أنه من الصعب الحديث في التفاصيل بالنظر للنقص الكبير في البيانات والأرقام على المستوى القاري ، غير أنه وبتفعيل المرصد الإفريقي فإن توفير البيانات ستكون أولوية للمرصد من أجل العمل بكفاءة، وفهم أفضل للواقع والتصرف وفقا لذلك ،ولعل التجربة المغربية من خلال المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية تكفلت والى جانب هيئات المجتمع المدني النشطة في هذا المجال بتوفير أرضية مناسبة ستستنير من خلالها دول القارة السمراء.
إن الملاحظة الميدانية من خلال أرضية البيانات المتوفرة لدى المملكة المغربية حول الهحرة ستمكننا من بناء “سياسة قارية على أساس حوكمة الهجرة”، كخطوط منهجية لمتابعة وتوجيه وتشجيع ودعم دينامية اقتصادية تحمل تطلعات التقدم الإجتماعي، ليبقى السؤال المطروح ، هو معرفة “كم عدد المهاجرين على المستوى القاري”؟ من أين أتوا و “أين هم”؟ .

من الضروري أيضا الاهتمام بعاداتهم ومساراتهم الهجرية والمهنية والعائلية المختلفة، وتوقعاتهم وعلاقاتهم مع البلد الأم. لنصل في نهاية المطاف لفهم الواقع بشكل أفضل، وإدراجه ضمن رؤية طويلة المدى بغية إشراك المهاجرين في التنمية القارية والإقليمية والمحلية.
علينا وفي إطار المرصد الإفرقي أن نستحضر الميثاق العالمي للهجرة لمراكش وحوكمة الهجرة
الميثاق الذي أسس لهجرة آمنة ومنظمة ، والذي يهدف إلى بناء الثقة ويؤكد على ضرورة تنزيل مبدأ رابح رابح ، من خلال قاعدة “الهجرة والتنمية”، بإعتبارها الحل الرئيسي لاحتواء تدفقات الهجرة غير النظامية والسعي لبناء سياسة هجرية تحترم حقوق الإنسان.
سأعود بك عزيزي المتلقيى ، إلى ما ذهب إليه عالم الديمغرافيا الفرنسي ، “ألفريد سوفي Alfred Sauvy” ، بخصوص إشكالية الهجرة بقوله “إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات” وعليه، فمعالجة ظاهرة الهجرة تفرض نهج سياسة ذات بعد خارجي، تتشابك فيها رؤى الدول الإفريقية على نفس المستوى، في إطار استراتيجية تتجاوز الحدود خاصة وأن ظاهرة الهجرة واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل ، وربما أحد التحديات الرئيسة في القرن الواحد والعشرين ،كما أنها بالنسبة للبعض، فإنها تشكل تهديدا، للبعض الآخر و تعتبر “رصيدا رئيسا” لـ “التنمية” بالمعنى الواسع للمصطلح (الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي).
نحن مطالبين اليوم ، و من خلال المرصد الإفريقي للهجرة ،إلى العمل في إطار رؤية مشتركة ومع جميع الفاعلين الأفارقة في مجال الهجرة ، هيئات مدنية وأجهزة حكومية ، علينا أن نكون على يقين كذلك أننا بلد مصدر للهجرة كما أننا بلد مستقبل وبلد إستقرار للعديد من المهاجرين ، والأهم أن تجربتنا في هذا المجال نتقاسمها مع شركاء أساسسين معنيين بشكل مباشر بمعضلة الهجرة، وعلى رأسهم دول ضفة البحر الابيض المتوسط ، خاصة إسبانيا بإعتبارها بوابة إفريقيا نحو أوروبا .

ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى