الديناميات الأمازيغية : قراءة في تجربة أكادير وضواحيها

• الحسين بويعقوبي  //

بدعوة من الشبكة الأمازيغية للمواطنة، “أزطا أمازيغ”، تشرفت يوم 2 دجنبر 2023 بتقديم مداخلة افتتاحية للقاء التشاوري الثاني للديناميات الأمازيغية”، محطة أكادير. وهو اللقاء الثاني بعد لقاء خنيفرة ضمن عشر لقاءات ستنظم على مستوى التراب الوطني، ضمنها لقاء افتتاحي نظم بالرباط ولقاء ختامي لتقديم الخلاصات سينظم بعد نهاية المحطات الجهوية، أو الأقطاب الترابية كما سماها المنظمون.

واحتراما للبعد الجهوي الذي يميز هذه اللقاءات، في تقاطع مع ما هو وطني ودولي، ولأسباب منهجية إخترت لمداخلتي موضوع الديناميات الأمازيغية على مستوى أكادير وضواحيها، تجنبا للحديث عن سوس، لشساعة المجال وصعوبة ضبط معطياته، ولأن أكادير وضواحيها عرفت تمركز أهم المبادرات التي تستحق أن تؤخذ نموذجا يحتذى به، وأسست لممارسات فضلى يمكن أن تعمم.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار مجموع الجمعيات العاملة في مجال الأمازيغية اليوم(أكثر من 1200 جمعية، اعتمادا على طلبات الدعم المقدمة سنويا للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية)، فقد طرحت فكرة ضرورة تعريف “الحركة الثقافية الأمازيغية” اليوم، بما ينسجم وسياق بداية القرن الواحد والعشرين، بعدما عرفها سالم شاكر وسعيد السعدي في الجزائر بعد الربيع الأمازيغي ل1980، وهو تعريف يحمل طابعا جزائريا محضا، وعرفها الحسين واعزي في أطروحته أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وطبعها بخصوصية مغربية.

فهل لازال التعريفان يوافقان التحولات التي عرفها الموضوع، خاصة بعد بداية تدخل الدولة المغربية باعتبارها فاعلا أساسيا، وبعد ذخول مرحلة الإعتراف المؤسساتي، خاصة منذ 2001 ثم بعد دستور 2011، وازدياد عدد المهتمين بالموضوع، وضمنهم عدد من الأحزاب السياسية؟

أما على المستوى المحلي، فتتميز تجربة الحركة الأمازيغية في أكادير وضواحيها بما يلي :

– الاستمرارية في الزمن، (رغم توقف البعض) وخير نموذج تجربة الجامعة الصيفية النشيطة منذ تأسيسها سنة 1979، وبعض فروع تاماينوت منذ 1992 وجمعيات أخرى كأورير…

-التجديد والابتكار، خاصة بتأسيس جمعيات متخصصة، ومنها رابطة تيرا للكتاب بالأمازيغية، وجمعية مهرجان إسني وورغ للسينما الأمازيغية، وإيسوراف ودرامازيغ المتخصصتين في المسرح، ثم جمعيات مدرسي الأمازيغية … وهي بدورها مستمرة في الزمن وتقترب من عقدين.

-في إطار التجديد يمكن إضافة “ظاهرة” المقاهي والبيوتات الثقافية (مقهى كابريس، صالون أمجاد، دار الخنبوبي، مركز تاوسنا، فضاء أسرير،…) التي بدأت تنتشر بالمنطقة ويحضر فيها النقاش في موضوع الأمازيغية بقوة.

– تجديد النخب وظهور من يستطيع تحمل المسؤوليات في التسيير والتدبير، وهو عنصر أساسي للاستمرار في الزمن، الذي يعد أكبر خطر يهدد الحركات الاجتماعية.

-الانفتاح على المؤسسات المنتخبة والاستفاذة من المال العام عن طريق اتفاقيات شراكة (جماعة أكادير مع الجامعة الصيفية ومهرجان إسني وورغ، المجلس الإقليمي لتزنيت وبعض جماعات الإقليم مع المركز الأمازيغي للترجمة). ومن نتائج هذا الانفتاح وعي بعض مدبري الشأن العام بموضوع الأمازيغية وتنظيم لقاءات تكوينية في موضوع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية على مستوى الجماعات الترابية.

-وجود علاقات تعاون بين جامعة إبن زهر (شعبة الأمازيغية بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بأكادير، أوكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بأيت ملول) من جهة، والجمعيات الأمازيغية كرابطة تيرا، ومهرجان إسني وورغ، والجامعة الصيفية. وهو ما يسهم في تعزيز تكوين الطلبة في هذا المجال ويخلق جسور التواصل بين الجامعة ومحيطها.

– بداية تقوية التواصل بين الجمعيات الأمازيغية واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان سوس ماسة، مما جعل هذا الموضوع في قلب اهتمامات اللجنة، وتنجز بشأنه تقارير سنوية.

-إنخراط عدد من الفاعلين الجمعويين في مجال الأمازيغية في ديناميات أخرى موازية كالنضال من أجل الحقوق المرتبطة بالأرض وومجموعة من القضايا الحقوقية والتنموية، وأيضا في مختلف الأنشطة الثقافية المنظمة خلال فصل الصيف.

– بعض التجارب الإعلامية كنبض المجتمع، وأدليس، وزيك ماروك، التي تجعل من الأمازيغية مجالا لاشتغالها.

-محدودية دعم الفاعل الاقتصادي السوسي للفعل الثقافي الأمازيغي المناضل، ولا يتجاوز بعض المستويات.

هي إذن بعض الخصائص والمميزات التي تميز الدينامية الأمازيغية على مستوى أكادير وضواحيها، نتج عنها استمرار في الزمن، وتجديد في الممارسة وإنتاج إبداعي ملفت سواء على مستوى الأدب الأمازيغي الحديث (الرواية والشعر نموذجين)، أو الإنتاج الفيلمي والمسرحي والموسيقي،… وأيضا على مستوى التأثير في الفاعل السياسي. وهذه التجربة يمكن أن يستأنس بها من طرف جهات أخرى في كل تفكير في تطوير الديناميات الأمازيغية.